الشعراوي ورسالة ماجيستير

رسالة ماجستير بجامعة الأزهر: الشيخ الشعراوي أول من قاد التجديد والإصلاح في التعليم الأزهري.. وأوضح للناس نظرة الدين الإسلامي ودحض الباطل.. ولم يترك قضية إلا وأحاط بها من كل جانب
أكدت رسالة ماجستير بجامعة الأزهر، أن الشيخ الشعراوى قاد اول مبادرة للتجديد والإصلاح داخل التعليم الأزهري القرن الماضى، وكان داعية امة تعلقت به الجماهير، وتفاعل مع أحداث عصره وأوضح نظرة الدين الاسلامى ودحض الباطل.

واعلنت جامعة الأزهر، في بيان لها حصول الباحث حمدى حمدى ابراهيم حسن، الباحث بكلية اصول الدين جامعة الازهر بالمنصورة، على درجة الماجستير فى الفلسفة الاسلامية فى موضوع بعنوان (التجديد فى الفكر الاسلامي عند الشيخ محمد متولى الشعراوى)، ووفقا للرسالة أوضح الباحث ان إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى يعد أحد علماء الفكر الإسلامي الذين تركوا بصمة فى النفوس والقلوب والحياة بأسرها، وكان بمثابة النور الذى يُضيئ للحائرين الطريق، فهو مجدّد في الفكر الإسلامي بلا منازع، مشيرا الى انه ندر أن اجتمعت وأجمعت الملايين على أحد مثل الشيخ الشعراوى، فهو لم يكن ككثيرين من عظماء علماء الأمة مفكر نخبة أو فليسوف صفوة، وإنما كان داعية أمة تعلقت به الجماهير كما لم تتعلق بداعية فى عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر، كما أوضح انه توصل الى نتائج عديدة ذكر منها أن تجديد الفكر ما هو إلا تحريك لكل القوى والمدارك العقلية وتنشيط المكتسبات الذهنية، والانطباعات الوجدانية، وذلك لأن النصوص الشرعية التى تعتبر مصدر أساسي للفكر الإسلامي أناطت بالعقل البشرى مسئوليات ضخمة وجسيمة، واطمأنت إلى سلامة اختياراته، ووضعت له قواعد وضوابط لكى تكون رحلته فى البحث والاستنتاج والاستنباط محكومة بمؤشرات الوقاية من الخطأ والضلال، علاوة على أن العقل يتطلع إلي التجديد وذلك لممارسة حق مشروع، والمجتمع يتطلع إليه لتزويده بالرأي الذى يحقق له المصالح المشروعة التى أقر الإسلام بها فى مبادئه الأساسية.
وأشارت الدراسة الى ان هناك فرق بين الفكر الإسلامي، والإسلام باعتبار أن الإسلام من عند الله لا مجال فيه لاجتهاد بشري، بينما الفكر يجتهد فيه العقل البشري فيخطئ ويصيب فالفكر الإسلامي ما هو إلا نتاج عملية التفكير الاجتهادي سواء كان صواباً أو خطأ، والمرتكز إلى كليات الإسلام الأساسية، بل والصادر عنها، البعيد عن كل نتاج يعتمد كليات وفلسفات مغايرة لنظرة الإسلام العامة وكلياته ، وكل ذلك بالتزام المعايير الإسلامية في فهم النصوص بمراعاة أصول الاستنباط، طبقا لقواعد اللغة العربية ومنطق الشريعة.
واوضحت الدراسة، تعدد جوانب العظمة فى شخصية الشيخ الشعراوى، حيث نشأ الشيخ الشعراوي نشأة دينية هادئة معتدلة اتسمت بالبساطة والاعتدال والتى اكتسبها من تنشئة الوالد وتربية الأم وكلاهما كان على قدر كبير من الالتزام الديني والخلقي، وقد توسم فيه زملاؤه ومدرسوه الذكاء الحاد، والموهبة الكاملة، والعقل الراجح، وهذا ما انعكس على حياة الإمام بعد ذلك فى مراحل دراسته المختلفة ومع أبنائه وأفراد أسرته وتعاملاته فى المجتمع، إضافة الى أن الشيخ تفاعل مع أحداث عصره تأثراً وتأثيراً، فقد شارك مع الوفد ورجاله بأشعاره وقصائده الرائعة، وكافح ضد المحتل الأجنبي بالخطابة، وكان يمثل بصدق الثائر الحق، وعندما كان وزيرا للأوقاف أصلح فيها ما استطاع، ولما حانت الفرصة لتركها حسب رغبته وخرج حامداً ربه واعتزل بعد ذلك كل المناصب وتفرغ لنشر فكره الإسلامي الوسطى، كما أن التجديد فى الفكر الإسلامي عند الشيخ الشعراوى له ملامح وسمات وخصائص تميزه.
كما توصل الباحث الى ان التجديد فى الفكر الإسلامي عند الشيخ الشعراوي ينطلق من مصدرى الشريعة الإسلامية القرآن والسنة وعليه يصبح الفكر الإسلامي فى منأى بعيداً عن المصالح الإنسانية الخاصة، فيكون أصيلاً فى تكوينه، إنسانياً فى غاياته، أخلاقياً فى مواقفه، لا يضل ولا ينحاز، ولا توجهه مصالح الأقوياء، ولا تعبث به عواطف أهل الأهواء، يحقق مصالح كل البشر وليس مجموعة معينة فهو فكر إنساني لكل الإنسانية قبل أن يكون إسلامياً كما طاف الكثير من ديار العالم الإسلامي ومواطن الجاليات الإسلامية فى الغرب داعياً إلى الله، كاشفاً الشبهات التى بثها المستشرقون عن الإسلام.
وأضافت الدراسة أن قضية الدفاع عن ثوابت الدين وأصوله عند الشيخ الشعراوى شغله الشاغل فلا يخلو لقاء من لقاءاته، أو مؤلف من مؤلفاته إلا وكان الدفاع عن أصول الدين وثوابته النصيب الأكبر فى تفكيره ولقاءاته، فكان يقف بالمرصاد لكل من يريد أن يعمل على هدم ثوابت وأصول الإسلام والإساءة إليه ، وتشويه صورته من المُغرضين والجاهلين هذا وقد نجح الشيخ نجاحاً غير مسبوق فى التعامل مع قضايا عصره بفكره وملكاته الإبداعية وعقليته الناقدة ، والتى جعلت منه إنساناً عاقلاً لا ناقلاً ، ومحرراً من كل المذاهب والفرق، ولم يستخدم الشيخ البحث العقلي لذات العقل ولكن ليصل بالبحث العقلي إلى ما يشغل الناس من مشاكل ومعضلات اضافة الى انه لم يجمع فى دراسته الواسعة بين الكتاب والسنة وعلومهما فقط، وإنما جمع فى فكره أهم ما يحتاجه ويتطلبه فهم النص الشرعى وإدراك مغزاه من أهم العلوم الإنسانية كالطب والفلك والرياضيات وعلوم المعاني والبيان، والأدب والشعر والعلوم الاجتماعية، مع الانفتاح على الأوضاع الحاضرة والمتطلبات المعاصرة.
واستطرد الباحث انه لذلك تميز خطاب الشيخ الشعراوي الديني بالتطور والانفتاح على العصر، وذلك كى يتجاوز الخطابات الدينية الركودية والمتزمتة التي أساءت إلى الإسلام والمسلمين وقد حرص الشيخ فى فكره الإسلامي التجديدى على الالتزام بمبدأ التدرج مع الخصم أثناء الجدال معه؛ وذلك لكي يصل إلى تحقيق الغايات والمقاصد المرجُوه والغاية المنشودة، وإلا كانت النتائجَ عكسيّة غير مرغوب فيها، وهذا ما يُعرف فى علم الجدل والمناظرة بالتنزل مع الخصم وهو ما سماه الشيخ الشعراوى بالجدل الارتقائى وظهر ذلك واضحاً فى جداله مع كل خصوم الإسلام من الملحدين وغيرهم، وتميز الشيخ فى أسلوبه التجديدي بمراعاة مقتضى حال المخاطب ، وذلك فى إنزال الناس منازلهم ، فكان عالماً بأحوال الناس ومعتقداتهم ، يدعوهم على قدر عقولهم وأفهامهم وطبائعهم وأخلاقهم ومستواهم العقلى والعلمي والاجتماعي، ولفت إلى أن الوضوح التام كان مفتاح شخصيته كما توصل الباحث الى ان ملامح تجديد الفكر الإسلامي قد ظهرت فى حسه اللغوى فمن يقرأ ويطالع فكره وتفسيره يجده غنياً بالكثير من المفردات اللغوية والشرح الفياض، فما من قضية من القضايا إلا واستوفى الجانب اللغوى حقه بحيث يتناول كل كلمة منها بتفصيل القول فيها من كل الجوانب اللغوية، مبيناً الحقيقة والمجاز فيها، ومن وراء ذلك كله ثقافته الواسعة فى هذا الميدان، ويعد حديثه عن الكلمة من حيث دلالتها اللغوية كثيراً ما يذكر موقع الجملة التى جاءت فيها هذه الكلمة فى الإعراب ووجه العلاقة بينها وبين الجملة التالية لها، وكان يتعامل مع اللفظ القرآنى وكأنه كائن حى يتأمل قسماته، ويجس نبضه، ويتسمع إلى خلجاته، لذلك تجده فى كثير من الألفاظ يأتى منها بما لا نعلم، فكانت اللغة هى المفتاح الذى من خلالها فهم بها معاني القرآن، وولعه باللغة والشعر كانا مفتاحاً لتميزه كمفسر لغوى للقرآن له شأن جماهير شاسع فقد استطاع بعبقرية فذة أن يفتح عقول وقلوب الجماهير العريضة لفلسفة الإيمان الدينى ، على نحو عجز عنه كثير من الفلاسفة والمتكلمين، ووصفت الرسالة الشيخ الشعراوى بأنه كان [ جامعة علمية شعبية ] انتقلت إلى الناس فى منازلهم ومنتدياتهم فنافست مدارس الفلسفة وجامعات العلم بل تفوقت عليها ولفت أنظار العالم من المسلمين وغيرهم إلى أن إعجاز القرآن الكريم لا يقف فقط عند الكلمة والآية والسورة ، وإنما يشمل كل حرف من حروف هذا الذكر الحكيم .اضافة الى انة لم يكن بعيداً عن مستجدات عصره ، ولكنه أمـد التجربة الإنسانية النامية والمتطورة الكثير من العطاء الحضاري للإسلام ، من خلال اجتهاده الشرعي بما يحتاج إليه عصره من أحكام تعالج ما يطرأ من قضايا فقهية جديدة أنتجتها المدنية الحديثة؛ وفي هذا حفظ للدين من أن يتجرأ عليه العامة والخاصة، وخوفاً من أن يوصف بتخلف أحكامه وقصورها عن ملاحقة كل جديد.
كما توصل الباحث الى ان الشيخ الشعراوى اوضح للناس نظرة الدين الإسلامي، وذلك بدحض الباطل، وكشف زيغ الفرق الباطلة التي أرادت أن تشوه العقائد الأساسية للإسلام وشريعته السمحاء، فهاجم كل أصحاب البدع وغيرهم من أصحاب المذاهب المنحرفة عن الكتاب والسنة وقد اجتهد كل الاجتهاد برفع وإزالة ما توهم لدى البعض من تناقض سواء كان ذلك التوهم من تناقض بعض آيات القرآن بعضها ببعض، أو ما توهم لدى البعض من تعارض العقل مع النقل ، أو تعارض القرآن مع بعض الحقائق العلمية ، وذلك لإزالة اللبس والغموض برفع ما يتوهم من تعارض واختلاف كما ان الشيخ كان خبيراً ومعاصراً للمعضلات والمشاكل الاجتماعية والانحرافات الأخلاقية داخل مجتمعه ، وعلى هذا حمل راية الإصلاح والتغيير للأفضل فى المجال الاجتماعي ، وقاوم الانحراف والفساد والجريمة داخل المجتمع ، وذلك لإصلاح ما فسد فى الميادين الاجتماعية، انتقالا بالحياة إلى درجة أرقى فى سلم التطور الإنساني وقام بالدعوة الى المساهمة والإصلاح داخل معسكر التعليم بصفة عامة والتعليم الأزهري بصفة خاصة ، لإخراج جنود قادرين على مصارعة الجهل والشُّرور ، وإبادة الضَّعف والفقر والخمول ، والقضاء على اليأس والتفرُّق والانحلال.
وشددت ان الشيخ الشعراوى قاد أول مبادرة للتجديد والإصلاح داخل التعليم الأزهري فى الأول من يوليو عام 1959، وذلك بملاحظاته الدقيقة والمنهجية فى علوم اللغة العربية لطلاب المعاهد الأزهرية بالمراحل المختلفة وقد وهبة الله ملكة علمية مكنته من التحليل والمناقشة والاستنباط، فاستخدمها فى تجديده فى كثير من القضايا والموضوعات أسلوب التحليل والشرح والمناقشة، وتحلى بالأمانة فى عرضه للخلاف الوارد في القضية، وناقش ذلك مناقشة علميّة مدركاً مساقط الخلل وجوانب الصحة والصواب، فضعف ما رآه ضعيفاً ورجح ما استقر عنده رجحانه قدر المستطاع، فلم يترك قضية إلا وكان يُطوِقها من كل جانب، محيطاً بأطرافها، ملماً بما يثور حولها من فرعيات، مناقشاً ذلك فى موضوعية مقنعة ليصل بالقارئ فى النهاية إلى حد الإقناع والاقتناع وقد استعمل الشيخ فى اساليب عرضه لقضايا الفكر الإسلامي أسلوب المقارنة، وذلك بغرض الترغيب فى أمر، أو الدفاع عن قضية ورد الشبهات التى تثار حولها، أو التفرقة بين أمرين، وكان الهدف من هذا الأسلوب التنبيه والاستثارة لعقل القارئ والسامع.
وشدد الباحث ان الشيخ قد وظف فى تجديده للفكر الإسلامي، وخاصة مع أهل الأديان الأخرى، أسلوب القياس، لتحقيق إثبات صحة ما يذهب إليه، ونقد ودحض شبهاتهم ، وكان هدفه إلزامهم ، وإسقاط دعواهم ومقالتهم التي اعتقدوها واعتمد بشكل مباشر خاصة مع الملحدين أسلوب الجدل المنطقى والمبني فى أساسه على المقدمات والنتائج ، والذى يتوجه بخطابه إلى العقل، لإقناع الخصم بالقضايا المختلف فيها ، فيخاطبهم بمنطق الفطرة الكامنة فيهم ، ومع هذا نجد دقة التعبير، وترتيب الأفكار، وسرعة الوصول إلى عقل القارئ، والابتعاد عن الخيال، إذ إن غايته مخاطبة العقل، وشرح الحقائق، وتفسير الغوامض بكلمات بسيطة واضحة وفى نفس الوقت فصيحة كما استعمل الشيخ الشعراوى أسلوب الملاحظة والتجرِبة العملية كأسلوب من أساليب تجديد الفكر عنده، وذلك من باب إنشاء جسر بين عالم المعاني والأفكار النظرية، وبين عالم المدركات الحسية وامتلك الشيخ ملكة الشعر، فكان له فيه عطاء موفوراً واكب كل قضايا الأمة الوطنية والدينية.
يذكر أن اللجنة المشكلة من الدكتور ابراهيم ياسين استاذ الفلسفة الاسلامية والتصوف ورئيس قسم الفلسفة الاسلامية بجامعة المنصورة الاسبق مشرفا ورئيسا، والدكتور عادل محمود عمر استاذ الفلسفة الاسلامية بكلية الاداب جامعة المنصورة مشرفا مشاركا، الدكتور السيد محمد عبد الرحمن على خضر أستاذ الفلسفة الإسلامية كلية الآداب جامعة المنصورة عضوا، والدكتور احمد سعيد المرزوقي أستاذ الفلسفة الإسلامية المساعد كلية الآداب جامعة عين شمس عضوا منح الباحث حمدى إبراهيم حسن الباحث بكلية اصول الدين والدعوة بالمنصورة درجة الماجستير فى الفلسفة الاسلامية بتقدير ممتاز واشادت بجهد الباحث وموضوع البحث والذى تناول سيرة ومسيرة الامام المجدد الشيخ محمد متولى الشعراوى.

Comments

Popular Posts