خطبة 12

فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:« كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ». قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ:« هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ، وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ»

أَيُّهَا الإخوة الكرام:  إِنَّ صَلاَحَ الْقَلْبِ أَمْرُهُ عَظِيمٌ، وَأَثَرُهُ عَمِيمٌ، فَهُوَ مَلِكُ الأَعْضَاءِ، وَتَتْبَعُهُ الْجَوَارِحُ صِحَّةً وَاعْتِلاَلاً، يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :« إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ». فَإِذَا صَلَحَ الْقَلْبُ صَلَحَتِ النِّيَّةُ وَالْعَمَلُ، وَصَلَحَ اللِّسَانُ وَسَائِرُ الْجَوَارِحِ، وَقَدِ اعْتَنَى الشَّرْعُ الْحَكِيمُ بِالْقُلُوبِ، وَدَعَا إِلَى تَطْهِيرِهَا وَتَنْقِيَتِهَا، فَهِيَ مَحِلُّ نَظَرِ عَلاَّمِ الْغُيُوبِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :« إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». فَالْقَلْبُ الْمُطْمَئِنُّ مُشْرِقٌ بِالإِيمَانِ،
وإِنَّ سَلاَمَةَ الْقَلْبِ طَرِيقُ الْفَلاَحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَهِيَ سَبَبٌ عَظِيمٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :( يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم). ولا طريق اليها الا بتخَلُّصِهِ مِنْ أَغْلاَلِ الْحَسَدِ وَالْبَغْضَاءِ، وَالْغِشِّ وَالرِّيَاءِ، وَالْكِبْرِ وَالْغُرُورِ وَغَيْرِهَا

عباد الله رحمكم الله: إِنَّ لِحَيَاةِ الْقَلْبِ وَصِحَّتِهِ طُرُقًا وَأَسَبَابًا، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ إِقْبَالُ صَاحِبِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ قِرَاءَةً وَتَدَبُّرًا، وَفَهْمًا وَتَفَكُّرًا، فَفِيهِ الشِّفَاءُ وَالْهُدَى، وَالنُّورُ لِمَنِ اهْتَدَى، فَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِيهِ أَبْلَغُ الْمَوَاعِظِ وَأَجَلُّهَا، وَأَنْفَعُ الأَدْوِيَةِ لِلْقُلُوبِ وَأَصَحُّهَا.

ومنها الدُّعَاء وإقبال القلب والتضرع إلى المولى سبحانه وهي مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ ثَبَاتِ الْقُلُوبِ وَاسْتِقَامَتِهَا، وَقِلَّةِ تَقَلُّبِهَا.

كما يدخل فيها مُجَالَسَةُ الأَخْيَارِ، وَمُصَاحَبَةُ الأَبْرَارِ وَحُبُّ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ، وَدَفْعُ الْغِيبَةِ وَالشُّرُورِ عَنْهُمْ مِمَّا يُعِينُ عَلَى سَلاَمَةِ الْقَلْبِ وَنَقَائِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :« لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ»

فَاللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْقَلْبَ السَّلِيمَ، وَالأَجْرَ الْكَرِيمَ، يَا بَرُّ يَا رَحِيمُ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ الأَمِينِ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ، عَمَلاً بِقَوْلِكَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) ([18]).
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ، إِنَّ أَوَّلَ مَا نَتَوَاصَى بِهِ تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَلاَمَةُ قُلُوبِنَا، فَإِذَا سَلِمَ الْقَلْبُ وَصَفَا، ظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى الأَعْمَالِ فَاسْتَقَامَتْ، فَتَجِدُ صَاحِبَ الْقَلْبِ السَّلِيمِ يَنْعَمُ فِي الدُّنْيَا بِالرَّاحَةِ وَالسَّكِينَةِ، وَالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَيُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَدْعُو لَهُمْ بِالْخَيْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) ([19]). فَأُولَئِكَ يَعْظُمُ أَجْرُهُمْ، قَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ يَصِفُ أَحْوَالَ السَّابِقِينَ: كَانُوا يَعْمَلُونَ يَسِيرًا وَيُؤْجَرُونَ كَثِيرًا. فَقِيلَ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: لِسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ([20]). فَلْيَسْأَلْ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ: أَيْنَ يَجِدُ قَلْبَهُ مِمَّا سَمِعَ؟ فَيَسْتَعِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَكُونَ مُتَّصِفًا فِي أَعْمَالِهِ وَسُلُوكِهِ تُجَاهَ الآخَرِينَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، لاَ حِقْدَ فِيهِ وَلاَ حَسَدَ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:
« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً»([21]). اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا قُلُوبًا سَلِيمَةً تَقِيَّةً، وَأَعِنَّا عَلَى حُسْنِ الْقَوْلِ وَإِخْلاَصِ الْعَمَلِ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وقُوَّاتِ التَّحَالُفِ الأَبْرَارَ، وَأَنْزِلْهُمْ مَنَازِلَ الأَخْيَارِ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، يَا عَزِيزُ يَا كَرِيمُ. اللَّهُمَّ اجْزِ خَيْرَ الْجَزَاءِ أُمَّهَاتِ الشُّهَدَاءِ وَآبَاءَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ جَمِيعًا، اللَّهُمَّ انْصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ الْعَرَبِيِّ، الَّذِينَ تَحَالَفُوا عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إِلَى أَصْحَابِهِ، اللَّهُمَّ كُنْ مَعَهُمْ وَأَيِّدْهُمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَهْلَ الْيَمَنِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْمَعْهُمْ عَلَى كَلِمَةِ الْحَقِّ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَارْزُقْهُمُ الرَّخَاءَ وَالاِسْتِقْرَارَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ 

Comments

Popular Posts