خطبة 19

  أيها الأحبة في الله حديثنا اليوم عن الحب، لكنه ليس حب الآهات والنظرات، ولا حب الأفلام والمسلسلات والقنوات، إنه حب رب البريات، حب فاطر الأرض والسماوات، حب تميز به عباد الله المؤمنون حتى قال عنهم:{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ..

  

  حب يورث القلب حلاوة الإيمان فيتلذذ العبد بطاعة وذكر الرحمن.. فعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)). ولما كان الحبيب المصطفى أشد العباد حباً لله كان أشدَّهم تلذذاً بطاعة الله كيف لا وهو القائل : ((…وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ))..نعم هذا هو الحب الحقيقي تلذذاً ومتعة بالوقوف بين يده تعالى وبمناجاته، 

  وكما أن المريض يذوق حلو الطعام مراً، وكلما ازداد مرضه زاد فساد ذوقه، فإن صاحب القلب الذي خلا من حب الله أو ضعفت فيه مخايل تلك المحبة يرى بأن طاعة الله وعبادته ثقيلة عليه فيحاول الفرار من الصيام والقيام لثقله على جسده وقلبه، كم من هذا الصنف يرى أن صلاة الجماعة أثقل عليه من نقل الجبال والعياذ بالله، فبقدر ما يعظم حب الدنيا في القلب يكون على حساب حب الله..

  معاشر المحبين.! إن محبة الله دعوى بإمكان الكل أن يدعيها.. لذلك وضع العليم الخبير مقياساً يزن الإنسان به نفسه ونفس غيره حول مدى صدق تلك الدعوى. فمنها كثرة ذكره لله فإن العبد إذا أحب أحداً من البشر وجدته يكثر من ذكره والثناء عليه فكيف بمن أحب رب البشر، ومنها الإقبال على طاعة الله بشوق ولذة.. ومنها حب الصالحين والثناء عليهم فإن من نقصت محبة الله في قلبه ترصد الصالحين وأحصى عليهم أخطاءهم..

  قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ.