خطبة 15

قوله تبارك وتعالى: فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين. اي لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا اللّه تعالى فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا ألا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم. وإن المؤمن إذا مات بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا. ولم تبكيا على فرعون وقومه - المراد بهم في الآية - لأنه لم يكن لهم عمل يصعد إلى الله صالح، فتبكي عليهم السماء، ولا مسجد في الأرض، فتبكي عليهم الأرض.

عن أَنَس بن مالك رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه) وتلا هذه الآية: {فما بكت عليهم السماء والأرض} 

ذات يوم، أتى ابنَ عباس رضي اللّه عنهما رجل فقال: أرأيت قول اللّه تعالى {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال رضي اللّه عنه: نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه ففقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر اللّه عزَّ وجلَّ فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يصعد إلى اللّه عزَّ وجلَّ منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض.

وقال مجاهد: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحاً، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل.

عباد الله، رحمكم الله. هل لنا من أرض تبكي لنا عند الفوات.؟ أو هل لنا من سماء تسكب عبراته لنا عند الممات.؟ فليكن هذا في قائمة انتباهكم ولا يغفل أحد عن أن يترك وراءه صالحة يبقى أثرها ويمتد ثوابها لعلكم تفلحون.

Comments

Popular Posts