خطبة 02


 👇
فحقيق بشهر أطلع الله فيه قمر نبي الهدى وسماه في العالمين حامدا وأحمدا ومحمدا،
*وحري بيومٍ كانَ فيه وجودُ المصطفى صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَّخذَ عيدًا حميدا،* وخَليقٌ بوقتٍ أَسفرتْ فيه غُرَّتُهُ أن يُعقَد طالِعًا سعيدًا، فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله، واحذروا عواقبَ الذُّنوب، وتقرَّبوا إلى الله تعالى بتعظيمِ شأن هذا النَّبيِّ المحبوب، واعرِفوا حُرمتَهُ عندَ علاّم الغيوب، "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ
تَقْوَى الْقُلُوبِ"     [سورة الحج ٢٢/ ٣٢]

واعلموا أنّه ما أكرم أيّام مولده الشّريفة عند من عرف قدرها! وما أعظم بركتها عند من لاحظ سرّها!.
ففي شهر ربيع الأوّل انبثقت عن جوهرة الكون بيضة الشّرف.
وفي يوم الاثنين منه ظهرت الدّرّة المصونة من باطن الصّدف.

وفي ثاني عشره أبرز سابق السّعد من كمون «١» العدم، وب (مكّة) المشرّفة أنجز صادق الوعد بمضمون الكرم. حملت به أمّه في شهر رجب الأصمّ، ومات أبوه وحمله ما استتمّ، ثمّ أدّت ما حملته من الأمانة آمنة، وكانت ممّا تشكوه الحوامل آمنة.

فحينئذ أسفر «٢» صبح السّعادة وبدا، وبشّرت طلائعه بطلوع شمس الهدى، وطوّق جيد الوجود بعقود الإفضال، ودارت أفلاك السّعود بقطب دائرة الكمال، فوضعته صلى الله عليه وسلم واضعا يديه على الأرض، رافعا رأسه إلى السّماء، مقطوع السّرّة، مختونا، منزّها عن قذر النّفاس، مكرّما. 

فأضاءت له قصور (بصرى) من أرض الشّام. وخمدت نار الفرس الّتي يعبدونها، ولم تخمد منذ ألف عام. وانشقّ لهيبته حين ولد إيوان كسرى. وتواصلت من الرّهبان والكهّان هواتف البشرى، وأشرقت مطالع الأنوار بميمون وفادته، وتعبّقت أرجاء الأقطار بطيب ولادته، وخرّت الأصنام على وجوهها إذعانا لسيادته.
فأرضعته ثويبة- مولاة عمّه- أيّاما، ثمّ تولّته حليمة السّعديّة رضاعا وفطاما، فشملتها/ البركات بحضانته، ولم تزل تتعرّف منه الخيرات في مدّته، فدرّ ثديها عليه بعد أن كان عاطلا، وجادت شارفها «١» باللّبن بعد أن كانت لا تروي ناهلا «٢» ، وأسرعت أتانها «٣» في السّير وقد كانت ثاقلا، وأخصبت بلادها وكانت قبل ذلك ماحلا.

ثمّ فصلته بعد أن تمّ له الحولان، وكان يشبّ شبابا «٤» لا يشبّه الغلمان، وظهرت لها في صغره مخائل «٥» نبوّته، وأخذه الملكان من بين الصّبيان، فشقّا من تحت صدره إلى سرّته، فاستخرجا منه علقة سوداء، وقالا: هذا حظّ الشّيطان، وغسلاه بماء الكوثر، ثمّ ختماه بالحكمة والإيمان.

قلت: المشهور في الأحاديث الصّحيحة أنّهما غسّلاه بماء زمزم. فلذلك جزم البلقينيّ وغيره من المتأخّرين أنّ ماء زمزم أفضل من الكوثر.

ثمّ ماتت لسنّ تمييزه أمّه، وكفله جدّه، ثمّ عمّه، ولم يزل صلى الله عليه وسلم ينشأ وعين العناية ترعاه وتحفظه ممّا يحذره ويخشاه، ومنحه الله تعالى منذ نشأ كلّ خلق جميل، وأحلّه من القلوب بالمحلّ الجليل، وعرف من بين أقرانه بالعفّة والصّيانة، وتميّز عند أهل زمانه بالصّدق والأمانة.

ولمّا أخذت مطالع بعثته في أفق سموّها، وآن لشمس نبوّته أن تطلع من علوّها؛ حبّبت إليه الخلوة للأنس بربّه. فكان يخلو في (حراء) ويتنعّم بقربه، وكانت تظهر له الأضواء والأنوار، وتسلّم عليه بالرّسالة الأحجار والأشجار.

ثمّ كان وحيه مناما، وتعليمه إلهاما، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ولا ينوي أمرا إلّا ظفر بالفوز والنّجح.
فلمّا بلغ الأربعين؛ جاءه جبريل الأمين من ربّه ذي الجلالة، بمنشور «١» النّبوّة والرّسالة، فأقرأه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ [سورة العلق ٩٦/ ١- ٥] .

فمكث صلى الله عليه وسلم ب (مكّة) ثلاث عشرة سنة، يدعوهم إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، فامن به من سبقت له السّعادة في دار البقاء، وكذّب به من كتب عليه في الأزل الشّقاء.

ولعشر سنين من مبعثه الكريم؛ خصّه الله بالإسراء العظيم، فسار وجبريل مصاحب له إلى أعلى السّماوات العلى، وجاوز سدرة المنتهى، وشرف بالمناجاة في المقام/ الأسنى، ونال من القرب ما ترجم عنه: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [سورة النّجم ٥٣/ ٩] .

ثمّ هاجر إلى دار هجرته، ومأوى أنصاره وأسرته، فسلّ سيف الحقّ من غمده، وجاهد في سبيل الله غاية جهده، حتّى فتح الله له أقفال البلاد، ومكّنه من نواصي العباد «١» ، وأظهر دينه على الدّين كلّه.

ثمّ توفّاه عند حضور أجله، إلى ما أعدّ الله له في جنّات النّعيم، من الكرامة والفوز العظيم.

فسبحان من حباه بأنواع الإكرام، وأرسله رحمة لجميع الأنام، وجعله سيّد ولد آدم ومعوّلهم، وخاتم النّبيّين وأوّلهم، ونسخ بشرعه الشّرائع، وملأ بذكره المسامع، وشرّف برسالته المنائر «٢» والمنابر، وقرن ذكره بذكره في لسان كلّ ذاكر، وذلّل كلّ صعب لطلّابه، وأمدّه بملائكته الكرام تجاهد في ركابه.

نسأل الله تعالى الّذي أكرمنا بظهوره، وأخرجنا من ظلمات الكفر بنوره: أن يجعلنا وإيّاكم ممّن شملته برحمته العناية، ولا حظته في جميع أحواله عين الرّعاية. وأن يشرّفنا في هذه الدّنيا بطاعته، واتّباع سنّته، واغتنام زيارته، ويحشرنا يوم القيامة في شفاعته وزمرته.

اللهمّ إنّا نتوجّه إليك، ونتشفّع إليك بحقّه عليك، فهو أوجه الشّفعاء لديك، وأكرم الخلق عليك: أن لا تدع لنا ذنبا إلّا غفرته، ولا همّا إلّا فرّجته، ولا ضرّا إلّا كشفته، ولا عدوّا إلّا كفيته، ولا شرّا إلّا صرفته، ولا خيرا إلّا يسّرته، ولا واليا إلّا أصلحته، ولا مجاهدا في سبيلك إلّا نصرته، ولا طالبا للخير إلّا أعنته، ولا حاجة هي لك رضى إلّا قضيتها. يا أرحم الرّاحمين.

(حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار).  (١/٥٣,٥٤,٥٥,٥٦,٥٧,٥٨)✒⤴ _______________________

ദുആ വസ്വിയ്യത്തോടെ
സിദ്ധീഖുൽ മിസ്ബാഹ് - 09496210086 ____________✒

Comments

Popular Posts