أفاعي "الفاشية" الهندية بقلم : أفتاب العيني

أفاعي "الفاشية" الهندية

 بقلم : أفتاب العيني

قبيل أن أسوّد كراستي بالتدوينة الثانية لمدونات الجزيرة أطلت على ذاكرتي تلك اللحظات السعيدة الممزوجة بشيئ من الإحباط النفسي والقلق والاضطراب، والتي لم تزل عالقة في إحدى زوايا ذاكرتي ولم تنفك عنها بعد وإليك بتفاصيلها: 

في أواخر شهر رمضان المنصرم استشهد الحافظ جنيد خان وذهب ضحية من ضحايا الأعمال العنفية والإرهابية التي مارستها الطائفة المتطرفة الفاشية في حق التجمعات الأقلية باسم البقر ، وكنت أرسلت إلى مدونات الجزيرة تدوينة معنونة "شعب مذبوح وبقرة محظورة الذبح".

وبعد أيام من إرسالها تلقيت في محمولي رسالة عبر البريد الإلكتروني ، فتحت الهاتف فإذا به البريد من مدونات الجزيرة يُعلِمني بأنه تم نشر تدوينتي الأولى على مدونات الجزيرة... أحسست ساعتها بالغبطة والسرور وشعرت بأنني أديت واجبي ولو بقلمي نحو أقلية مضطهدة وأنا جزء منها وأخذتني نشوة الانتصار انتصار القلم على قوة "فاشية" بربرية وحشية.

لكن غابت ملامح الفرح عن وجهي عندما فاجئني أبي قائلا : يا بني... إننا في زمن المراقبة والقيود والحدود ، حتى الرسائل التي ترسلها عبر الواتساب تحت أجهزة التجسيس الخاصة بالحكومة ، فكن على حذر ولا تحفر حفرة أنت هاويها واحذر أن تكتب عن أمور سياسية سواء داخلية أو خارجية..!

ولم ينته والدي من نصيحته وتحذيره حتى توالت رنات هاتفية لم تعهدها شاشة محمولي قبل، ضغتط على الزر الأخضر عند كل رنين فإذا هي مكالمات مختلفة وتحذير متّحد " نحن في زمن المراقبة الحذر الحذر...والانقطاع عن الأمور السياسية والكتابة فيها"

وفجأة أحسست بدفقات من خوف خفي تنغص على لحظاتي.

مرت عجلة الأيام بما فيها من مر وحلو ومرت على أول تدوينتي في مدونات الجزيرة قرابة خمسة أشهر وعشرا، وها هي تدوينتي الثانية التي اضطررت إلى كتابتها عندما صدمت بحادثة بربرية في إحدى الولايات الهندية حيث قام هندوسي متطرف إرهابي بحرق مسلم حيا، بعد أن قطعه تقطيعا بفأسه.

وأدهى وأمرّ  أن هذا الرجل المترزق الإرهابي نصب طفلا لم يبلغ سن الرشد لتصوير  هذا المشهد البربري المحرق للقلوب وتغطيته كاملا فينشر الفيديو في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي وكأنه يهتف قائلا أمام مسمع ومرئى العالم العالم: نحن القاعدة "الفاشية" ...القوة لنا والسلطة في حوزتنا ومهمتنا الوحيد هي إبادة الإسلام والسلام والشعب المسلم وتحويل جمهورية الهند إلى دولة هندية فاشيّة مستقلة... مصيركم كمصير الروهينغا التي تحيا حياة بطعم الموت..!




وكانت التهمة الملقاة على عاتق المظلوم المسلم المحروق حيا هي غرامه مع فتاة هندوسية ( وقد أنكرته فيما بعد) التهمة المسماة بالجهاد الحبي أو العشقي الإسلامي والتي عذب من أجله كثير من المسلمين أشد تعذيب وأمرّه.

وأعتذركم  متابعي مدونات الجزيرة بأني قصرت في واجب قلمي عند كثير من المسرحيات "الفاشيّة" القذرة التي لم أكتب عنها خوفا من مقولة " نحن في زمن المراقبة" وهروبا من تحذير أبي وأقاربي..
وإليك جملة من المسرحيات "الفاشيّة" السياسية التي هويت أن أدون عنها فامتنع القلم ولقي حتفه في معركة حرية التعبير والرأي.

في الوقت الذي تم إلغاء وحذف ضريح تاج محل من قائمة المعالم السياحية التاريخية الهندية من قبل الحكومة بولاية أوتار براديش لم يتزلزل ضمير الشعب الهندي ، لأنهم يعرفون أن ذلك القرار لم يأت إلا نسخة جديدة من التهميش والتزوير التاريخي التي يمارسها التيار المتطرف الهندوسي منذ عقود بدءً من هدم المسجد البابري الواقع في بلدة أيودهيا في ولاية أوتاربراديش والذي تم تأسيسه في عهد الملك المغولي ظهير الدين بابر.

وقد هدمه المتطرفون الغوغائيون بدعوى أن المسجد بني على أنقاض معبد "راما" الإله المقدّس لدى الهندوس. وكان هذا الاعتاء الغاشم وانتهاك حرمة المسجد عام 1989 بتواطؤ مع رئيس الوزارة آنذاك نارا سمها راو.

وإن تاج محل يعدّ كأحد عجائب العالم السبع وأعظم إنجاز معماري هندي وإسلامي وقد تم إدراجه ضمن لائحة مواقع التراث العالمي لليونسكو عام 1983. وما أروع ما وصفه الشاعر الكبير الهندي تاغود قائلا بأن تاج محل عبرات تساقطت على خد الزمان...أبعد هذا كله يأتينا عضو برلماني هندوسي متطرف زاعما بأن شاه جهان كان قد استولى على معبد هندوسي ثم شيّد على أنقاضه قصره. والغريب من ذلك أن بعض الزعماء الهندوسيين وصف هذا المعلم الذي جسد الحب الخالد في أورع معانيه بأنه وسمة عار على جبين التاريخ الهندي ولبئس القول وقائله.

واستذكر هنا كلمات الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري من كتابه التراث والهوية حين حديثه عن مقومات التراث الإسلامي يقول: "إن مقومات التراث الإسلامي هو أنه حي متصل بالتاريخ المطرد على مر الأزمنة دون أن يفقد أصالته وتميزه، وأن جذوره لا تزال عميقة في الأرض ينبض بالقوة". نعم هؤلاء المترزقة الفاشية المتولدة من الفكرة النازية الهتلارية لا يريدون أن ينبض التراث والمعالم التاريخية الإسلامية الهندية في تربة الهند وأن تحيا صامدة شامخة... ما لهم وللتاريخ فضلا عن الوعي التاريخ...

والإدعاءات "الفاشية" التي تقرّر بأن المعالم الحضارية الإسلامية الهندية قامت سروخها على أنقاض المعابد الهندية ما هي إلأ أدل دليل على أن هذا التيار  المتطرف الغوغاغي الهندوسي في أشد استنكار واستنفار من التاريخ والمعالم التاريخية ، وكيف لا يكره قوم ليس لهم أي دور وتأثير في صفحات التاريخ الهندي وما هم إلا أصحاب التزوير والتهميش  والهدم لا البناء والتشييد...          

ورغم هذه الإعداءات المتغطرسة التي لن تغير على أرض الواقع شيئا مما يعظ عليها التيار الفاشي الهندي بنواجده فإن قبة تاج محل لا تزال تتلمّع على ضفاف نهر يمنا في مدينة آجرا بنقاء رخامها البيضاء وزخارفها الخلابة راقصة بين الحديقة المغولية المترامية الأطراف... لا تلمسها الأيادي "الفاشيّة" المتلطخة بالدماء...حتى يعكّر صفوتها


الكاتبة غوري لنكيش...رابع ضحية من ضحايا العنف والتطرف "الفاشي"


متابعة لعملية الإعدام ومسلسل الهجوم الذي أطلقته القاعدة "الفاشية" في ربوع الهند استهدافا للقضاء على الكتاب والصحافيين المتسلحين بسلاح القلم والمحاربين بمداده ضد الفكرة الفاشية المتطرفة وعمليتها الإرهابية فقد قضت الأيادي الفاشية على الكاتبة والصحافية الهندية غوري لنكيش التي فنّدت بقلمها البتار الأفكار الفاشية المتوغلة والمهددة للكيان البشري والوطن الهندي وكان مقتلها في 5 سبتمبر المنصرم. 

وكانت غوري لنكيش رابع ضحية من ضحايا العنف الفاشي والتطرف العمياء فكانت الضحية الأولى هو الكاتب "كالبورغي" والثانية "نريندرا دبولكار"  وأما الثالثة فهو الكاتب "غوفيند فنساراي" وكل واحد منهم يعرف بنضاله بمداد القلم ضد "الفاشيّة" الطاغية.

أيها المواطن الهندي ... آن الأوان أن ننتبه بالتهديد الهندوكي "الفاشي" الذي هو الداء العضال في التربة الهندية والخطر الأشد فظاعة والأقصى هولا، تلك الأيادي "الفاشية" الطاغية المخيفة والمرعبة المعادية للإنسانية  في سعيها الحثيث الجاد المستميت لتمزيق أوصال الدولة الهندية المتحضرة، لا بد أن تشلّ عن قريب وأن تقطع من الجسم الهندي فهي أفاعي بمعنى الكلمة لا تزال تنتشر سمومها في جسم الشعب الهندي...

Comments

Popular Posts