سليميات

مقامة حول علاقات الهند مع دولة الإمارات

حدثنا خالد بن سلام قال لما نبا بي المكان، وشعرت كأنني ألقيت وراء القضبان، وحداني الشوق والبيان، فخرجت في السفر، وأخذت معي القرطاس والحبر، لأدون به ما كنت أنويه من السفر. وواصلت التطواف في المدن والتجواب، ولم أكن قد فكرت بعد في العودة والإياب. ولما وصلت أثناء تجوالي إلى مدينة دلهي عاصمة الهند، وهي شهيرة منذ قديم الزمان مثل شهرة بلاد السند. فسنحت لي الفرصة لأذهب وأشاهد، عروضا عسكرية وثقافية عرضت كشواهد، على ثراء الثقافة الهندية وفنونها، ولها ذكر في سطور كتب التاريخ وبين متونها.
والهند يا إخواني! كانت في ذلك اليوم في أوج أبهتها وتحتفل، بيوم جمهوريتها وشعبها كان يفرح ويتهلل. ورأيت بالمناسبة ضيفا عربيا يقاسمهم غبطتهم وسرورهم، ويشاطرهم فرحتهم وحبورهم. ولما دنوت من الضيف الكريم، وجدته قد أتى من بلد كريم. من دولة الإمارات، والتي تحمل على التقدم الهائل شارات. رحّبت الهند بالضيف أحر الترحيب وأجمله، واستقبله أهلها في أروع الشكل وأكمله. وفرحوا به زهوا وفخرا، والكل كان يحمل له خيرا وذكرا.
وقال خالد بن سلام وسألت شخصا كان ينظر في صحيفة، وكان جالسا بجواري،  استفسرته من هو هذا الضيف يأيها القارئ! فنظر الرجل إلى نظرة استغراب، كأنه يحاول أن يطلب مني الاستجواب، قال كيف بك لا تعرف هذا الضيف؟ وذكره بين الناس ليس مثل سحابة صيف. ثم تنهد وقال في نبرة خطاب ألا تقرأ الأخبار؟ وقدّم إلى الصحيفة وقال هذه أمور ليست من الأسرار. ثم مال إلى وقال، بعد قيل وقال، إنه ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، ذو عظمة وجاه وشأن، ويشار إليه بالبنان، أتى من دولة فاقت شهرتها العنان، وازدادت له في العالم هيبة وسلطان.

دولة الإمارات هي رمز الزعامة، وعلامة الشهامة، تتباهى مثل الهند بتعدد الثقافات، وتحررت من الاستعمار في عقد السبعينات. بناها مؤسسها زايد بن سلطان ووحّدها، وجمع كلمتها وعلاقتها مع جيرانها وطّدها. هي غنية بالثروات الطبيعية الضخمة، وتوجد فيها مباني فخمة، وبروج مشيدة عالية، أقيمت في سنوات حالية. هي سبع إمارات زاهيات، ولم تزل القوافل إليها كعهدها في الماضي رائحات وغاديات. وقال خالد بن سلام لقد صدق من قال، وهي على عظمة الإمارات أروع مثال:
سبع من الإمارات تهلّي بكل قاص ٍ وداني
السبع طيبات وفيها طيب المعاني
فالسموات سبع والأيام وكذا سبع المثاني
من بوظبي لدبي والشارقة تليها عجماني
والفجيروة ورأس الخيمة وأم القيوين سبع ٍ ما هن ثماني
تنظمن كما عقد من الياقوت الأحمر القاني
يمسي اللبيب من حسنها مفتون ٍ وحيراني
ثم استطرد قائلا:
الإمارات هي حصن حصين، ومرتاد كل زائر فطين، ويحكمها حاكم أمين، هي سماء ناصعة زرقاء، ورياض خضراء، وتكتنفها رمال وصحراء. الإمارات هي ظل ورمل وماء، وشموخ وعلو وسناء، وجمال وبهاء مثل الحناء، وهي غنية عن مدح المادحين، ولا يضرها قدح القادحين. الإمارات دولة فتية، وبالموارد غنية، هي بلد الأخيار، ونعم الدار، من زارها عاد وهو شاكر، ولأيامه التي أمضاها فيها ذاكر، الإمارات هي بلد الكرم والسخاء، والجود والعطاء، وقد أطلقت لنفسها هذا العام "عام الخير"، وتعهدت بأن يعلو العدل ولا يكون فيه لأحد ضرر ولا ضير.
للإمارات مع الهند علاقات متينة توطدت على مرّ العصور، وتوثقت على كر الدهور، في الزمن الماضي والتاريخ لنا فيه هادٍ، كانت العلاقات بين البلدين قائمة وجارية، والقوافل كانت بالبضائع ماضية وسارية. ومنطقة جنوب الهند، البعيدة عن بلاد السند، أول من استقبلت هذه القوافل وأهلها، واعتنق عدد من أهل الجنوب الإسلام وعقيدته وصاروا من أهلها.
وفي الآونة الأخيرة ضخت الإمارات في الهند استثمارات، تقاس بالمليارات من الدولارات، في القطاعات العديدة، وهي في نظر الاقتصاديين خطوات سديدة، وسوف تجلب للبلدين الرخاء والسعادة، وتعمل قيادات البلدين عملها في غير فتور ولا هوادة. الإمارات هي واحة الأمن والسلام، ورمز التلاحم والوئام، في منظقة ضربها العنف والاقتتال، مما أعطى الفرصة لقوى الاحتلال، للممارسة من جديد أعمال السرقة والاستغلال.
الإمارات تحتضن أكبر عدد من المغتربين الهنود، مما قد ينفسها عليها الحسود. والهنود يرسلون إل بلادهم تحويلات، وبذلك يساعدون أهلهم في توفير التسهيلات. وكم من موقف إنساني نبيل، أخذه الناس كدليل، على صفاء قريحة أهل الإمارات وجود رجالها، وعلى نقاء سريرة وجهائها وسخاء أمرائها. وقبل شهور، أتانا نبأ ملأ قلوبنا بسرور، تناقلته وسائل الإعلام العالمية والهندية، مما جعل عيوننا بالفرحة ندية. والنبأ كان عن إعطاء مبلغ من المال، إلى ذوي أحد الهنود محرومي الحال، والذي لم يستطع أن يستأجر سيارة تحمل من المستشفى جثة زوجته، فغطاها الرجل بردائه وحملها على درّاجته.
وهذا الحدث ما هو إلا مثال، على مساعدة الإمارات لذوي المتربة وضيق الحال، وكم من أناس من الجنوب احتضنتهم الإمارات، وقدمت لهم مساعدات، وكم من مساجد في الهند أقيمت، وبأموالها-والحمد لله- شيدت، وكم من مدارس افتتحت، وبسخاء أهلها وجودهم أنشئت. وكم من أسر هندية سعدت، وعائلات جنوبية أو شمالية فرحت، ولنفسها الخيرات جلبت. وكل هذه النعم بفضل الله وكرمه وقعت.
الإمارات بلد العلم والأدب، ومعينها من العطاء العلمي والمعرفي لا ينضب، وإنجازاتها في نشر العربية لا تضاهيها فضة ولا ذهب. وقال خالد بن سلام، ولما سمعت من الرجل هذا الكلام، فتملكني من فرط الإعجاب هذا الشعور، لماذا لا نشد رحالنا إلى هذا البلد وإياه نزور. ثم دعوت الرحمان، أن يديم على البلدين الأمن والأمان والسلام، وأن ينعم علينا الرخاء والتلاحم والوئام.

Comments

Popular Posts