الشعراوي

من أعلام القرن العشرين:
إمام الدعاة الشيخ الشعراوي معلم الناس الخير
بقلم/ الشيخ رسمي عجلان عضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر الشريف
     هو غني عن التعريف شهرته ذاع سيطها في كل المعمورة فالصغير يعرفه قبل الكبير بعلمه وخلقه وبسمته الجميلة وحديثه الشيق الممتع الذي كان يدخل القلوب والعقول معاً، ومواقفه النبيلة وأفعاله الجليلة، وحبه للمساكين وعطفه على المحتاجين، وتعلقه بآل البيت النبوي، وحرسه على نشر سنة النبي .... الخ لكنني أحببت أن أدلو بدلوي فأغترف شيء من سيرته العطرة لعل لله تعالى ينفع بها من يقرأها وبعد ... هو: عالم بارز من أعلام الدعوة الإسلامية في العالم في العصر الحديث، وإمام عظيم للدعاة المخلصين حفر اسمه في ذاكرة التاريخ بحروف من نور، فكان في أول الصف في من قاموا بتفسير معاني القرآن الكريم شفوياً تفسيراً موضوعياً يتناسب مع فقه الواقع في حلقات سجل معظمها الإذاعة والتلفاز باسم (خواطر حول القرآن الكريم)، وكان أسلوبه سهلاً يسيراً يتميز باللهجة العامة المصرية، فكان يتسابق لسماعه العلماء قبل العوام، والعوام قبل العلماء، كان إنساناً بسيطاً متواضعاً محباً للفقراء والمساكين، وكان يقول: أتشرف أن أكون منهم، له صدقات خفية، وأخرى علانية كزكاة المال والفطر والأضحية، علاوة على ما بذله من الجهد والمال والصحة والوقت في مجال الدعوة الإسلامية، وحديثه الدائم وتركيزه على النقاط الإيمانية، وتهذيبه للنفس البشرية، ورد شبهات المستشرقين واليهود والنصارى والشيوعية والعلمانية حول الإسلام ونبيه وأمهات المؤمنين والصحابة الكرام، من هنا أحبه الخاصة والعوام فقد عرفوا على يديه وسطية الإسلام وعدله وسماحته، لأن أسلوبه يناسب كل الأعمار وجميع المستويات ومختلف الثقافات، فكم اهتدى بكلماته كثير من العُصاة، وتاب بين يديه كثير من الفنانين والفنانات، لصدق لهجته وقوة حجته وبساطة عبارته وحسن مجادلته وحسن أخلاقه، واستنباط الحكم بما يتناسب مع الواقع، فهو بحق كان نعم الداعية والقدوة الصالحة، ما قال قولاً يهدي به الناس وفعل عكسه، كان قوله مطابق فعله، لأنه يعلم أن فعل رجل واحد يؤثر في ألف رجل، وقول ألف رجل ربما لا يؤثر في رجل واحد، وكان من شدة تواضعه يقول: (أن خواطري حول القرآن الكريم لا تعني تفسيراً للقرآن، وإنما هي هبات صفائية – من الرحمن – تخطر على قلب إنسان مؤمن في آية أو بضع آيات، ولو أن القرآن من الممكن تفسيره لكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أولى الناس بتفسيره، لأنه عليه نزل وبه انفعل وعمل وله بلغ، وعنده ظهرت معجزاته، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اكتفى بأن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التي تبين لهم أحكام التكاليف في القرآن الكريم وهي: افعل ولا تفعل) (مذكرات الشعراوي التي نشرتها الأهرام)، لقد تميز الشيخ الشعراوي في تفسيره لمعاني القرآن الكريم عن غيره بما يلي: (استخدامه ملكة اللغة العربية التي كان يجيدوها كمنطق لفهم النص القرآني، محاولة كشف فصاحة القرآن وأسرار نظمه البديع، المزاوجة بين التعمق اللغوي وبساطة الأسلوب، والاستطراد الموضوعي بضرب المثل وحسن التصوير بالواقع المناسب للموضوع، واستشهاده بكلام العرب وأشعارهم وأيامهم الذي كان يحفظ منه الكثير والكثير، وكان يتمتع باسلوب جدلي عقلي في رد الشبهات حول الإسلام، وكان عنده حسن إسقاط للنص على الواقع للقيام بدور المصلح الاجتماعي، وذكره الدائم لأمثلة من واقع الحياة ومن تجاربه الشخصية) فاستحق بجدارة لقب إمام الدعاة في العصر الحديث، بل هو يستحق بلا غلو أن يكون مجدد هذا القرن لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (على رأس كل مائة عام يبعث الله من يجدد لهذه الأمة دينها)، فكان يقرأ المستقبل بعين العالم وضمير المسلم وقلب مخلص وعقل رشيد فعندما قال في الثمانيات: (الثائر الحق الذي يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد) فلو كان حياً بيننا الآن ما زاد على ذلك حرفاً واحداً، وعندما تحدث عن قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): سيأتي زمان خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق أليس هذا ما نحياه الآن؟ لا أقول أنها نبوءات بل هي قراءة جيدة بعمق وإخلاص للمستقبل، ألا يستحق أن يلقب بسيد المجددين في العصر الحديث؟ أما عن مولده ونشأته وتعليمه والوظائف التي تدرج فيها فهذه نبذه مختصرة ليتعرف الشباب الذين لم يعاصره عليه من قريب:
ولد الشيخ الشعراوي في 15/4/1911م بقرية دقادوس مركز ميت غمر محافظة الدقهلية، وتوفي في 17/6/1998م عن عمر (87 عاماً) (مصريون متوفون 1998م)، نشأته: أتم حفظ القرآن الكريم وهو ابن (11 سنة)، التحق بالمعهد الابتدائي الأزهري بالزقازيق، حصل على الابتدائية سنة 1923م، ثم التحق بالمعهد الإعدادي الثانوي بالزقازيق لمدة 9 سنوات، وكان معه الدكتور محمد خفاجة، والشاعر طاهر أبو فاشا، والكاتب الإسلامي خالد محمد خالد، والدكتور أحمد هيكل، والدكتور حسن جاد، وغيرهم كثير من نوابغ المجتمع المصري والعربي، وبعد حصوله على الثانوية الأزهرية زوجه أبيه من بنت الأصول، فأنجب ثلاث أولاد (سامي وعبد الرحمن وأحمد) وبنتان (فاطمة وصالحة)، في سنة 1937م التحق بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة، سنة 1940م حصل على الإجازة العليا (البكالوريوس)، سنة 1943م حصل على العالمية (الدكتوراه)، ثم عمل مدرساً بالمعهد الأحمدي بطنطا، ثم بالزقازيق ثم بالإسكندرية، وفي سنة 1950م أعير للعمل بالسعودية مدرس بكلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، في سنة 1960م عاد فعين وكيلاً للمعهد الأحمدي، في سنة 1961م عين مدير للدعوة الإسلامية بالأوقاف، سنة1962عين مفتش للعلوم العربية بالأزهر، سنة 1964م عين مدير مكتب الإمام الأكبر شيخ الأزهر حسن مأمون، سنة 1966سافر الجزائر رئيساً لبعثة الأزهر، وأثناء وجوده هناك حدثت نكسة يونيو 1967م فسجد لله شكراً وعندما سئل عن ذلك قال: (سجدت لله شكراً بأن مصر لم تنتصر وهي في أحضان الشيوعية حتى لا يفتتن المصريون في دينهم) (دعاة مصريون، من أعلام الدقهلية)، فهل تنتصر مصر اليوم وهي في أحضان العلمانية والملاحدة ومن ينادونا بالإباحية وجواز زواج المثل؟! في نوفمبر 1976م عين وزيراً للأوقاف في وزارة ممدوح سالم في عهد الرئيس الراحل السادات، واستقال في أكتوبر 1978م، وكان أول وزير أصدر قرار بإنشاء بنك إسلامي في مصر (بنك فيصل)، سنة1980م اختير عضو بمجمع البحوث الإسلامية، وعضو بمجلس الشورى، سنة 1987م اختير عضو بمجمع اللغة العربية ثم تفرغ لخواطره حول القرآن الكريم (وزراء أوقاف مصر)، مؤلفاته: أكثر من 70 مصنفاً، الجوائز التي حصل عليها: (وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى بمناسبة بلوغ سن التقاعد في 15/4/1976م، وسام الجمهورية من الطبقة الأولى لأفضل داعية في يوم الدعاة لسنة 1983م، 1988م، اختير من قِبل رابطة العالم الإسلامي بمكة ليكون عضو بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، في سنة 1998م كان شخصية المهرجان الثقافي بمحافظة الدقهلية، وقامت المحافظة بعمل مسابقة عن حياة الشعراوي وأعماله ودوره في الدعوة الإسلامية محلياً وعالمياً، ورصدت لها جوائز مالية ضخمة) (من أعلام الدقهلية، خريجي جامعة الأزهر). فهل نأمل أن تقوم وزارة الثقافة أو وزارة الأوقاف أو جريدتنا الموقرة اللواء الإسلامي أو وقف المستشار الفنجري أو جمعية الشيخ الحصري بعمل مسابقة عن حياة الشيخ الشعراوي ومؤلفاته ودوره في تجديد الخطاب الديني ونشر وسطية الإسلام وسماحته، ودوره في النهوض بالدعوة محلياً وعالمياً؟ حتى تعرف الناس تاريخ علمائنا المخلصين؟ أتمن أن تظهر هذه المسابقة قريباً، فهل من مجيب؟ والله هذا غيض من فيض وقليل من بحر عميق ونقطة في محيط ومهما كتبنا وتحدثا لن نوفي عالمنا وسيدنا وشيخنا إمام الدعاة محمد متولي الشعراوي حقه. رحمه الله وطيب ثراه وجعل الجنة مثواه.     
المواقف النبيلة والمشرفة للشيخ الشعراوي:
1- كان للشعراوي عدة مواقف أذهلت الجميع واستغربها الكثيرون فقد سجد شكرا لله عند نكسة مصر 1967م وكان رده: (بأن مصر لم تنتصر وهي في أحضان الشيوعية فلم يفتن المصريون في دينهم).
2-  ومنها موقفه بعد أن تولى العمل وزيراً للأوقاف فقد قام الشعراوي بتقديم استقالته من الوزارة لعدم تفاهمه مع السلطة.
3-  وقد حدث يوماً أن سبّ السادات الشيخ المحلاوي فأرسل الشعراوي برقية عاجلة للرئيس السادات قال فيها: "إن الأزهر الشريف لا يُخرج كلاباً؛ وإنما يخرج شيوخاً أفاضل وعلماء أجلاء".
4- عندما قدم الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو إلى القاهرة، طلب الرئيس السادات من الشيخ الشعراوي اصطحابهم إلى دار الأوبرا لتحية الرئيس الضيف، وما إن بدأ العرض ورأى الشيخ الشعراوي الرقصات والموسيقى المصاحبة؛ حتى ضرب الأرض بقدمه وأعطى الشعراوي ظهره للمسرح بما عليه من رقص وغناء رفضًا للأمر كله، ولما رآه السادات هكذا فأرسل إليه السادات ممدوح سالم -رئيس الوزراء وقتها- وقال له: الرئيس يطلب منك أن تعتدل في جلستك؛ فصاح الشيخ الشعراوي قائلاً: "اعتدلوا أنتم أولاً في أخلاقكم وسلوككم.
5- كلمة الشعراوي رحمه الله التى قالها للرئيس حسني مبارك عندما عاد من أثيوبيا بعد محاولة اغتياله هناك، وتم اختيار الشيخ الشعراوي ليكون احد المهنئين له فقال له: "إني يا سيادة الرئيس أقف على عتبة دنياي لأستقبل أجل الله، فلن أختم حياتي بنفاق، ولن أبرز عنتريتي باجتراء، ولكني أقول كلمة موجزة للأمة كلها، حكومة وحزباً، معارضة ورجالاً وشعباً – آسف أن يكون سلبياً – أريد منهم أن يعلموا أن الملك بيد الله، يؤتيه من يشاء، فلا تآمر لأخذه، ولا كيد للوصول إليه؛ فالملك حين ينزله الله، فإنه يؤتي الملك لمن يشاء، فلا تآمر على الله لملك، ولا كيد لله في حكم، لأنه لن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله، فإن كان عادلاً فقد نفع بعدله، وإن كان جائراً ظالماً، بشّع الظلم وقبّحه في نفوس كل الناس، فيكرهون كل ظالم ولو لم يكن حاكماً؛ ولذلك أقول للقوم جميعاً، إننا والحمد لله قد تأكد لنا صدق الله في كلامه، بما جاء من الأحداث، فكيف كنا نفكر في قول الله: "ويمكرون ويمكر الله"، وكيف كنا نفسر: "إنهم يكيدون كيداً ونكيد كيداً"؟ الله سبحانه يريد أن يثبت قّيُومِيتهُ على خلقه؛ فأنا أنصح كل من يجول برأسه أن يكون حاكماً، أنصحه بألا تطلبه، بل يجب أن تُطلب له، فإن رسول الله قال: "من طُلب إلى شيء، أُعِين عليه، ومن طَلب شيئاً وُكّل إليه".
مؤلفات العلامة الشيخ الشعراوي (رحمه الله تعالى) وتشمل ما يلي:
( الأحاديث القدسية ، 1الأحاديث القدسية 2، الأدلة المادية على وجود الله تعالى، أسماء الله الحسنى، التوبة، الحياة والموت، الخير والشر، السحر والحسد، الشيطان والإنسان، الغيب، الفتاوى، الفضيلة والرزيلة، الفقه الإسلامي وأدلته الشرعية المجلد الأول، الفقه الإسلامي وأدلته الشرعية المجلد الثاني،المعجزة الكبرى، النصائح الذهبية للمرأة العصرية، الوصايا، أنت تسأل والإسلام يجيب، سورة الكهف، فقه المرأة المسلمة، فيض الرحمن، قصص الأنبياء ومعها سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، نهاية العالم، هذا ديننا).
     وختاماً: كانت شخصية الشيخ الشعراوي طاغية على جميع الشخصيات التي كانت في عصره - رغم تواضعه الشديد-  وكانت له «كاريزما» جعلت شعبيته تفوق شعبية كل الشخصيات المعاصرة له والسابقة عليه من علماء الدين والسياسة والمخترعين الفنانين والرياضيين، كان نموذجًا فريداً لا مثيل له، كعالم من علماء الدين الذى يعيش وسط الناس أغنيائهم وفقرائهم، وينفق ماله فى أعمال الخير بغير حساب، وكل أقواله وأعماله تجسيد لمنهج الله الذى كان يدعو إليه، فكان ظاهره كباطنه ويفعل ما يدعو له – أي بيات على المعلم – فكان بحق قدوة صالحة وعالم زاهد يقتفى أثره قولاً وعملاً، ولم يكن له نظير فى التعمق فى دراسة القرآن واكتشاف بعض أسراره، كان لقول: للقرآن أسرار وما أقوله ليس تفسير له بل هي خواطر حول آيات القرآن الكريم، وقد أقبلت عليه الدنيا فكان لديه المال والأبناء وحب الناس، فلم يتغير ولم يغره المنصب ولا الكراسي ولا المال ولا الجماهير التي التفت حوله من حد وصوب وعنهم استعداد أن يحملوه على أعناقهم من شدة حبهم له، ولكنه ظل على بساطته الريفية، وتواضعه الطبيعي بلا تصنع أو تكلف، وكانت له قدرته على التواصل مع الشيوخ والشباب، ومع المثقفين ومحدودي الثقافة، وكان شديد الاحترام حتى لأبسط الناس؛ جمع الشيخ بين الدين والدنيا، وهذا هو الفهم الصحيح للإسلام، فأقام لنفسه ولأولاده بيتاً كبيراً وسط حديقة واسعة، فيه عدة صالونات تسع عشرات الضيوف، وأيضاً فيه مسجد يسع العشرات، ومع ذلك كانت جلسته المفضلة على الأرض فى شرفة مغلقة بالزجاج يرى من ورائه مساحة واسعة من الخضرة والزهور والأشجار، وفى هذه الجلسة كان يستقبل زواره المقربين، ويقرأ ويتأمل وأحياناً ينزل ليمشى فى الحديقة أو يجلس على أرضها - وكان ما شيده من بناء وغيره من ماله الشخصي ومن كسبه الحلال -وحين قال البعض إن الشيخ الزاهد يعيش فى «قصر» ويركب سيارة «مرسيدس» فارهة، وله سيارة أخري بيجو، وله «قصر» آخر فى بلده «دقادوس»، قال: ولماذا أحرم نفسي من نعمة أنعم الله بها علىّ، وهو الذى قال:(ولا تنس نصيبك من الدنيا)، وعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، فأنا أحب الطعام الجيد ولست أكولا، وأحب الملابس الجيدة، وما أنعم الله علىّ به من مال لم استمتع به وحدي ولله الحمد، ولكنى عملت بأمر الله وانفق مما جعلني مستخلفا فيه، وجعلت فيه حق لليتيم والفقير والمسكين والمحتاجين، وعشت كما دعوت الناس للعيش بمنهج الله تعالى. وكان حريصاً على تعميق إيمان الناس بقيمة العمل، فكان يقول: ليس هناك عمل أشرف من عمل، وليس هناك عامل أشرف من عامل، فكل إنسان يعمل والمجتمع محتاج إلى عمله فهو يستحق احترام الناس ورضا الله، ولذلك قلت لو أن الوزراء جلسوا فى بيوتهم أسبوعاً فلن يتغير شيء فى حياة الناس، أما لو أن الكناسين مثلاً لم يقوموا بأعمالهم لمدة أسبوع لصارت الشوارع كلها زبالة وانتشرت الأمراض، وضاق الناس بما هم فيه. فرحمة الله على من علم الناس الخير.

Comments

Popular Posts