الشيخ أم أى - ثلمة لا تسد
( بقلم الفقير - محمد نوفل الثقافي.
باحث في الدكتوراه - جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية - حيدراباد)


الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم .
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين.

بهذا بدأ إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله ونفعنا به كتاب الذي به دحض مزاعم الجهمية المبطلين ، ديباجة لها علاقة وثيقة في وقت تذكار من كرس نفسه ونفيسه في إقامة السنة الشرعية وبذل المجهود في رد الدعاوي الباطلة..
المفكر الإسلامي والداعية الهندي الكبير والكاتب القدير والخطيب المصقع والمرشد الروحي والمقترح المادي والمحافظ علي الأوقات والمنهمك في العبادات.. شمائل حميدة الذكر وفضائل جليلة القدر ومدائح تستحق النشر.. اجتمعت هذه الأوصاف المذكورة أعلاه في شيخنا العلامة نور العلماء عبدالقادر القادري على الرغم من أنه قدانتقل منا إلى العالم البرزخي إلا أنه خالد في ذاكرتنا.
عن ابن عباس في قول الله عز من قائل :" أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" قال: موت علمائها
وقال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم : إنّ الله ليس يذهب بالعلم رفعا يرفعه , ولكن يذهب بحملته (قال الراوي - أحسبه قال) : ولا يذهب عالم من هذه الأمة إلاَّ كان ثغرة في الإسلام لا تسدّ إلى يوم القيامة. 

يقول سيدنا  علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في حديثه الطويل عن آداب المريد مع شيخه : «من حق العالم : أن لا تكثر عليه السؤال ، ولا تعنته في الجواب ، ولا تلح عليه إذا كسل ، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ، ولا تفشي له سرا ، ولا تغتاب عنده أحدا ، وأن تجلس أمامه ، وإذا أتيته خصصته بالتحية ، وسلمت على القوم عامة ، وأن تحفظ سره ومغيبه ما حفظ أمر الله ، فإنما العالم بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء ، والعالم أفضل من الصائم القائم الغازي في سبيل الله ، وإذا مات العالم شيعه سبعة وسبعون ألفا من مقربي السماء ، وإذا مات العالم انثلم بموته في الإسلام ثلمة لا تسد إلى يوم القيامة»
نعم، إنه عند المقارنة تتضح حقائق الأمور. أما هذا الداعية القدير - حقا ، ولا أبالغ- فليس من جنس يقبل المقارنة. فهل شهدت هذه الديار المليبارية أو قُلْ الديار الهندية شخصية فذة إجتمعت فيه تلك الفضائل الحميدة الذكر مثلما إجتمعت في هذا العالم الجليل. كلا. والله إنه خلف آثارا عديدة تسلط الضوء على علو قدره ورفعة مكانته.
هذه مؤلفاته في مسائل الشريعة الغراء بكمال الدقة في التعبير.. وهذه أفكاره التجديدية السديدة اللازمة في عقلية الأمة المسلمة وواقعها الحاضر.. وتلك روائع أعماله الجادة أبرز بها موقف الشريعة في الأزمات والمعضلات المادية في عصر الحداثة وما بعد الحداثة.. مؤلفات في جلالة الطرح وروعة الأسلوب بمكان.. وقد تم مؤخرا ، إحتراما له وتقديرا لجهوده المشكورة ، جمع هذه الأعمال - بما فيها الصغيرة الحجم والكبيرة - في مجلدات ثلاث ضخمة. وقام به نفس الجمعية التي رباها هو بنفسه فأحسن - جمعية الشبان السنيين - تخليدا لذكراه الوهاجة وتثمينا لقدره الرفيع.
وفي جانب آخر ، تراه قد أنشأ المدارس الدينية الإبتدائية في شتى زوايا كيرالا. ضحى حياته يجتهد في بناء وترميم وتوطيد أسس هذه المدارس بحيث إنه لا يسع لأحد إنكار حقيقة أن فضل السبق في هذا المجال يرجع إلى فضيلته. 
ويجدر بنا في هذا المقام إيراد قصة لطيفة فيها إعتبار لمن يمعن النظر في إنجازات الشيخ في بناء المدارس الدينية في ربوع كيرالا.
مرة كان كلمة الله عيسى عليه السلام  يمر بمقبرة عامة ، فرأى ميتا منهم في حالة حرجة.. ملائكة العذاب يعذبونه ويلحقونه إلى أشد النكال. ومضى النبي والميت في هذه الحالة. فلما انصرف من حاجته عاد في طريقه على نفس صاحب القبر ، فإذا هو  بمحضر من ملائكة الرحمة معهم أطباق من نور ، الأمر الذي أضاف إلى إعجابه بكثير ، فصلى ركعتين ودعا الله تعالى يستفسر ، فأوحى الله تعالى إليه : "يا عيسى ،  نعم إن العبد كان عاصيا مستحقا للعذاب ، ومذ مات كان محبوسا في ألوان من العذاب ، وحين موته كان قد ترك امرأته حبلى فولدت ولدا وربته فأحسنت تربيته حتى كبر ، فسلمته إلى الكتاب ، فلقنه المعلم كلمتي العليا 'بسم الله الرحمن الرحيم'.. يا عيسى : 'عبد أعذبه في بطن الأرض وابنه يصفني بأني رحمن ورحيم على وجه الأرض.. هل يليق برحمتي هذه.؟ فاستحييت من عبدي أن أعذبه بناري في بطن الأرض وولده يذكر اسمي على وجه الأرض"


وكانت نظريته في نشر العلم النافع 'الجمع بين القديم الصالح والجديدالنافع'. وتلبية لهذه الحاجة الماسة قام بتأسيس صرح إسلامي كبير الذي هو عبارة عن جامعة شاملة مكتملة ، تخدم العلوم النافعة العريقة وتواكب العلوم العصرية الحديثة ، الجامعة السعدية العربية.
وأصبحت وجهات نظره مقبولة لدى علماء سمستا. فهو سيف قاطع ضد أهل البدعة والضلالة. وكتب عدة مقالات وكتيبات وإرشادات في مختلف اللغات في هذا الصدد. وكان من حسن حظه حتى آخر وفاته أن يخدم كرئيس جمعية علماء أهل السنة 'سمستا' - المجلس الديني الرسمي الأعظم في كيرالا - تشرفت تربة كيرالا بعد تاج العلماء برئاسته في هذه الفترة ولو قصيرة.
ولا يزال الشيخ يتجدد فينا ذكرياته ويصل إليه ثواب خدماته للإسلام والمسلمين كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"
فإن سعيه حافل بالأعمال الخيرية وبالخدمات الدينية.. رغم أنه صغير في البصر فهو كبير في البصيرة..

وشيخنا الراحل يرقد الآن قبالة المسجد الجامع في رحاب الجامعة السعدية بكاسركود كيرلا الهند مستمعا القرآن والعلوم الدينية من أفواه تلاميذه الوفية

Comments

Popular Posts